أخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله
نرسل لكم نص مقال :
الإشاعة سلاح في الميدان للدكتور أبو الخير رئيس الهيئة الشرعية في جيش
رجال الطريقة النقشبندية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن
اتبع هداه .
وبعد:
فهناك عوامل كثيرة خارج السوق العسكري تؤثر أحيانا في ميدان المعركة وفي
بعض الحروب ربما تكون هي أقوى الضربات الموجعة والمؤلمة ، ونحن ندخل أيامنا
الأخيرة مع العدو المنهزم المنهار أمام ضربات الأبطال من رجال جيشنا
الشجعان خاصة ومن ضربات غيرهم من المجاهدين عامة ، نستذكر إحدى هذه العوامل
والتي كانت وما تزال عنصرا هاما في المعارك ألا وهو عنصر (الإشاعة) ، كيف
نتعامل معه وكيف نحذر منه وكيف نوظفه لمصلحة الجهاد.
لا يفوتنا في بادئ بدء أن نقسم الإشاعة إلى قسمين:
القسم الأول: الإشاعة البيضاء وهي الإشاعة التي تخدم المجاهدين في الميدان
وترفع معنوياتهم وتجعلهم يقدمون على القتال بروح عالية أو تثبط معنويات
العدو وتجعله ينهار ويتخاذل ، ولا يشترط في هذه الإشاعة أن تكون صحيحة.
ولا يخفى أن الشرع الحنيف أجاز الكذب في مواطن عدة منها: إصلاح ذات البين
، وإنقاذ مؤمن من القتل إذا كان مطلوبا لكافر أو ظالم؛ لما يترتب على
الصدق في هذه المواطن من المفاسد (فلو أردت أن تصلح بين اثنين وذهبت إلى الخصم
الأول وشتم صاحبه وذكره بسوء فهنا لا يجوز لك أن تنقل هذا الكلام إلى
خصمه بل تكون آثما بهذا الصدق ، وإنما يجب عليك أن تقول من الكلام الجميل
الطيب وتنسبه لذلك الخصم الأول حتى يلين قلب الخصم الثاني على أخيه).
ولا يخفى أن المفسدة في المعركة تكون أكبر ، وأن الحرب خدعة، والله سبحانه
وتعالى حينما أراد نصر المؤمنين في غزوة بدر الكبرى كان من أسباب النصر
أنه جل في علاه أرى المؤمنين عدوهم قلة قليلة حتى ترتفع معنوياتهم ويقدموا
على المعركة وهم موقنون بالنصر وجعل المؤمنين قبل القتال في أعين المشركين
كثيرا ليستدرجهم إلى القتال فلما وقعت المعركة أرى الله تعالى المؤمنين
في أعين المشركين كثيرا لتهبط هممهم وفي ذلك يقول صاحب السيرة الحلبية: ((
وكان من حكمة الله تعالى أن الله جعل المسلمين قبل أن يلتحم القتال في
أعين المشركين قليلا استدراجا لهم ليقدموا ولما التحم القتال جعلهم الله في
أعين المشركين كثيرا ليحصل لهم الرعب والوهن وجعل الله المشركين عند التحام
القتال في أعين المسلمين قليلا ليقوى جأشهم على مقاتلتهم ، ومن ثم جاء عن
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه انه قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى
قلت لرجل أتراهم سبعين قال أراهم مائة)) السيرة الحلبية ج2/ص398.
القسم الثاني: الإشاعة السوداء وهي الإشاعة التي من شأنها أن تهبط
المعنويات وتقلل من همة المجاهدين أو تعطي للعدو دعما معنويا وتشعره بأنه قد تمكن
في المعركة ، فهذه الإشاعة يحرم تداولها والكلام فيها وإن كانت صحيحة ومن
الأمثلة على الإشاعة السوداء ما ذكره الإمام النسفي رحمه الله تعالى في
تفسيره حيث قال: ((روي أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد
موعدنا موسم بدر القابل فقال عليه الصلاة والسلام إن شاء الله ، فلما كان
القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع
فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم إني واعدت محمدا أن
نلتقي بموسم بدر وقد بدا لي أن أرجع فالحق بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشرة
من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم أتريدون أن تخرجوا وقد
جمعوا لكم فوالله لا يفلت منكم أحد ، فقال عليه الصلاة والسلام: والله
لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون حسبنا الله ونعم
الوكيل حتى وافوا بدرا وأقاموا بها ثماني ليال وكانت معهم تجارة فباعوها
وأصابوا خيرا ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ولم يكن قتال)) تفسير
النسفي ج1/ص192، أقول لو كنا في عصر النبوة لكان واجبنا في ذلك الظرف أن
نكذب هذه الإشاعة ونضيق الخناق على من يروجها ؛ لأنها إشاعة سوداء تهدف إلى
تثبيط الهمم.
وهنا لابد من التنبيه إلى أن ترويج الإشاعات أو تكذيبها (سواء الصادقة
منها أو الكاذبة) لا علاقة له بإدارة دفة المعركة ، فالقيادي في الجيش ينبغي
عليه أن يأخذ بأسوأ الاحتمالات وأن يأخذ كل إشاعة يسمعها مأخذ الجد
ويجعلها في حساباته من غير أن يظهر منه ذلك أمام الجنود ويؤثر على معنوياتهم ؛
وذلك امتثالا لقوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم )) ، يقول
القرطبي في تفسير هذه الآية: (( ... وأمرهم ألا يقتحموا على عدوهم على جهالة
حتى يتحسسوا إلى ما عندهم ويعلموا كيف يردون عليهم فذلك أثبت لهم فقال
خذوا حذركم فعلمهم مباشرة الحروب ولا ينافي هذا التوكل بل هو مقام عين
التوكل)) تفسير القرطبي ج5/ص273.
القائد المحنك هو الذي يروج الإشاعة البيضاء ويستخف بقدرات العدو أمام من
هم في معيته لكنه في الوقت نفسه يحسب لعدوه كل الحسابات ويأخذ كل طاقات
العدو وقابليته القتالية نظر الاعتبار ، وهو كذلك يكذب الإشاعة السوداء
ويسخر منها ويقلل من شأنها لكنه حينما يتعامل في الميدان مع عدوه يتعامل وهو
يضع هذه الشائعات أمام عينيه.
وسأضرب هنا مثالين لهما علاقة بالموضوع أستقيهما من روح الواقع الذي
نعايشه اليوم:
المثال الأول: أشاع العدو في وسائل الإعلام أنه حشد مائة ألف جندي لاقتحام
مدينة الموصل والنيل من المجاهدين الأبطال فيها ، فهذا الخبر يعد إشاعة
سوداء تحتاج لمن يتصدى لها ويفندها ولا يسمح بترويجها لكن القائد الميداني
في الساحة يأخذها بنظر الاعتبار ويتابعها ويبني عليها.
المثال الثاني: سمعنا من إحدى المحطات الفضائية أن العدو سينسحب من الموصل
خلال أسبوع ، هذا خبر آخر نصنفه على أنه إشاعة بيضاء تخدمنا في المعركة
إلى حد ما فنروجها ونرفع همم جندنا بها ، ولكن في الميدان نأخذ بأسوأ
الاحتمالات فربما مثلا العدو أشاع هذا الخبر لتطمئن العناصر القيادية داخل
الموصل ثم بعد ذلك يستخدم عنصر المباغتة معهم.
ونعود مرة أخرى ونذكر أن المعنويات العالية في المعركة من أهم أسباب النصر
ففي أشد المواقف كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بالنصر
لترتفع هممهم وتقوي قلوبهم على القتال وأختم كلامي بنقل هذه الواقعة من السيرة
النبوية العطرة: ((وذكر أنه لما اشتدت تلك الكدية (وهي حجارة صلبة شق على
سيدنا سلمان أن يكسرها وهو يحفر الخندق) على سلمان أخذ صلى الله عليه
وسلم المعول من سلمان وقال بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها وبرقت برقة فخرج
نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال أعطيت مفاتيح اليمن إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة
كأنها أنياب الكلاب ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فخرج نور من قبل الروم فكبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر
قصورها أي زاد في رواية الحمر ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة
فكبر وقال أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى
كأنها أنياب الكلاب في مكاني هذا أي وفي رواية إني لأبصر قصر المدائن الأبيض
الآن وجعل صلى الله عليه وسلم يصف لسلمان أماكن فارس ويقول سلمان صدقت يا
رسول الله هذه صفتها أشهد أنك رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان أي وعند ذلك قال جمع من
المنافقين منهم معتب بن قشير ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم
انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما
تحفرون الخندق من الفرق أي الخوف لا تستطيعون أن تبرزوا )) السيرة الحلبية
ج2/ص635.
الدكتور أبو الخير
رئيس الهيئة الشرعية
في جيش رجال الطريقة النقشبندية
المصدر
http://www.alnakshabandia-army.org/home/news.php?action=view&id=135&57c90ef8944cc44ffc095ba172b1c5c7