بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علىاشرف المرسلين وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدينوبعد :فإنَّ هذه الدنيا ما هي إلا محطة استراحة في طريق الله ، ومن ثم فلا بد من إكمال هذا الطريق، وكما جاء في الخبر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ))نَامَ رسول ا صلى الله عليه وسلم على حَصِيرٍ فَقَامَ وقد أَثَّرَ في جَنْبِهِ فَقُلْنَا يا رَسُولَ ا لو اتَّخَذْنَا لك وِطَاءً فقال ما لي وما لِلدُّنْيَا ما أنا في الدُّنْيَا إلا كَرَاكِبٍ أستظل تَحتَْ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا((. رواه الترمذي. وقد سمعنا وعلمنا أنَّ ذلك الطريق شاق وصعب وفيه من المسالكوالمهالك مما يصعب اجتيازه إلا بشق الأنفس، ويحتاج أشدَّ الحاجة إلى أدلاء هداة، ومرشدين ناصحين، سلكوه وخبروه وعرفوا مواطن ضعفه وقوته وما فيه من أعداء ومخاطر.هؤلاء المرشدون وصلوا بإيمانهم ويقينهم وتجربتهم إلى الحقيقة الكاملة التي تفضي إلى أن من سلك هذا الطريق بشكل صحيح وسليم فان نهايته هي السعادة المطلقة، حيث بر الأمان مع الإنسوالجمال والرضا والكمال، ولذلك نادى المرشدون على الناس أن هلمّوا وأقبلوا إلى الخير، واحذروا وانتهوا عن الشر، أولئك هم ورثة الأنبياء، هم أهل الله وأحبابه ومحبوا الخير للناس الذين يعلمونهم ويربونهم ويزكونهم بحيث يدخل الرجل عليهم متسخا فيخرج نظيفا، ومريضا فيخرج معافى، ومذنبا فيخرج تائبا، ومكدرا فيخرج صافيا، ويصير آنذاك من أهل النقاء والصفاء، وان شئت أن تقول من أهل التصوف.يصحبُ شيخاً عارفَ المسالكْ
يُذَكِّرُهُ الله إذا رآهُ
يُحاسبُ النفسَ على الأنفاسِ
ويحفظُ المفروضَ رأسَ المالِ
ويُكثرُ الذكرَ بصفوِ لُبِّهِ
يجاهدُ النفْسَ لربِّ العالمينْ
يَصيرُ عند ذاكَ عارفاً بهِ
فحَبَّه الإلهُ واصطفاهُ
يَقيهِ في طريقِهِ المَهَالِكْ
ويوصلُ العبدَ إلى مولاهُ
ويَزِنُ الخاطرَ بالقِسْطَاسِ
والنَّفلَ ربْحَهُ بهِ يوالي
والعونُ في جميعِ ذا بِرَبِّه
ويَتَحلَّى بمقاماتِ اليقينْ
حُرَّاً، وغيرُهُ خَلاَ مِنْ قلبِه
لحضرةِ القدُّوسِ واجْتَباهُ
قال شارح هذه المنظومة في كتابه النور المبين على المرشد المعين: إن من نتائج صحبة الشيخ السالك، ما يحصل لمريده من أنه يذكِّرهُ الله ؛ أي يكون سبباً قوياً في ذكر المريد ربه إذا رأى الشيخ اِملَ عليه من المهابة التي ألبسه الله إياها، ويشهد لذلك ما أخرجه الحاكم عن أنس رضي الله عنه)أفضلكم الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله تعالى لرؤيتهم(. ومن ثمرة صحبة هذا الشيخ السالك أيضاً أنه يوصل العبد إلى مولاه بسبب ما يريه من عيوب نفسه، ونصحه بالهروب من غير الله إلى الله تعالى، فلا يرى لنفسه ولا لمخلوقٍ نفعاً ولا ضراً، ولا يركن لمخلوقٍ في دفعٍ أو جلب، بل يرى جميع التصرفات في الحركات والسكنات لله تعالى، وهذا معنى الوصول إلى الله تعالى.أ.ه . ان نداء هولاء الشيوخ هو أن اخرجوا من كل خُلُقٍ دني وادخلوا في كلخُلُقٍ سني.وان كرامتهم هي طيروا الى الله بجناحي الكتاب والسنة.وان مفهومهم هو التصوف خلق فمن زادك في تصوفه زادك في خلقه، وان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم.وان شغلهم الشاغل هوأن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك.إذن هو تربية وإحسان وسلوك وعرفان، ولا ضير أنهم تسموا بما يناسب صنعتهم لأن هذا من سنن الحياة، فالمشتغل بالحديث يسمى محدثا، والمشتغل بالفقه يسمىفقيها، والمشتغل بالتفسير يسمى مفسرا، والمشتغل بالصفاء يسمى صوفيا، وسواء اشتق من الصفاء لأنَّ مداره على التصفية، أم من الصفة تشبيها لأهل الصفة )الفقراء من الصحابة(، أم من الصوف نسبة إلى الزهد والتقشف كون هؤلاء لباسهم من الصوف، أو من الصف كونهم في الصف الأول بين يدي الله، أو من الصفوة كونهم أولياء الله الذين اختصهم بحبه، فانه لا مشاحة في الاصطلاح.مع أن كل تلك التسميات التي سبق ذكرها من الفقيه إلى المحدث إلى ...الخ، لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ذلك لم يخرجهم عن دائرة الإسلام ومسمى المسلمين، كما إن تسمية المهاجرينوالأنصار لا يخرجهم عن مسمى الصحابة رضي الله عنهم واسم الصحابة نفسه لا يخرجهم عن مسمى المسلمين، ولا أظن أنه يبقى بعد ذلك لبس في تسمية التصوف ومسمى الصوفيين لا سيما إذا علمنا أننا نعني به علم الأخلاق في الإسلام ليس التصوف لبس الصوف ترقعه
ولا بكاؤك إذا غنى المغنون
بل التصوف أن تصفو بلا كدر
وتتبع الحق والقرآن والدين
لقد استظل تحت شجرة التصوف علماء عظماء من سلف هذه الأمة وخلفها ، داعين الناس إلى التفيؤ بظلالها والأكل من ثمارها والتزود بغذائها لإكمال سلوك ذلك الطريق الموصل الى الله والمقرب من رسولهعليه الصلاة والسلام وفي الحديث الشريف عن جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ ا صلى الله عليه وسلم قال : ) إِنَّ من أَحَبِّكُمْ إلي وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يوم الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْ قَالًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إلي وَأَبْعَدَكُمْمِنِّي مَجْلِسًا يوم الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَا تْملَُشَدِّقُونَ وَا تْملَُفَيْهِقُونَ قالوا يا رَسُولَ ا قد عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَا تْملَُشَدِّقُونَ فما ا تْملَُفَيْهِقُونَ قال ا تْملَُكَبِّرُونَ(. رواه الترمذي قال ابن القيم في الوابل الصيب من الكلم الطيب: فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل، فلينظر هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإذا كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة كان أمره فُرطا ... إلى أن قال: فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه فإن وجده كذلك فليبعد منه، وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى واتباع السنة وأمرُه غير مفروط عليه بل هو حازم في أمره فليستمسك بغَرْزه. وأما ما يقال عن بعض الشبه التي ألصقت بالتصوف أو بعض الأفعال لأناس نسبوا أنفسهم الى التصوف كبعض البدع والأباطيل أو بعض الأفكار المنحرفة كالاتحاد والحلول أو بعض الخرافات كالدجل والشعوذة أوغير ذلك مما يتضمن أي مخالفة شرعية فنقول: إننا من هذا براء براءة الذئب من دم سيدنا يوسف عليه السلام.إن التصوف الذي عرفناه هو تصوف أويس القرني والحسن البصري والجنيد البغدادي والسري السقطي ومعروف الكرخي وعبدالقادر الجيلاني و...الخ. هذا هو تصوفنا تصوف العلم والجهاد والعبادة والأخلاق الذي يستقي مصدريته من الكتاب والسنة بل لا ينفصل عنهما.قال الجنيد: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله.وقال: من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مقيدبالكتاب والسنة.وقال أبو يزيد البسطامي: إذا أعطي الرجل من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.وقال النووي في المقاصد: إن أصولطريق التصوف خمسة:-1 تقوى الله تعالى في السر والعلانية. 2- اتباع السنة في الأقوال والأفعال.-3 الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار. 4- الرضى عن الله في القليل والكثير. 5- الرجوع إلى الله في السراء والضراء.وأما السيوطي في كتابهتأييد الحقيقة العلية فيقول: إن التصوف في نفسه علم شريف، وإن مداره على اتباع السنة وترك البدع والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها والتسليم لله والرضى به وبقضائه وطلبمحبته واحتقار ما سواه، وعلمت أيضا أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع، فوجه أهل العلم للتمييز بين الصنفين ليعلم أهلالحق من أهل الباطل وقد تأملت الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أرَ صوفيا محققا يقول بشيء منها، وإنما يقول بها أهل البدع والغلاة الذين ادعوا أنهم صوفية وليسوا منهم. وإذا جئنا الى الشعراني الذي هو من أشهر رجال التصوف فاننا نجده قد كتب كتابا سماه )تنبيه المغترين أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فيهسلفهم الطاهر( نقد فيه نقدا لاذعا مدعى التصوف فى عصره وأول خلقذكره بعد المقدمة التمسك بالكتاب والسنة يقول الشعرانى : من أخلاقالسلف الصالح رضي الله عنهم ملازمة الكتاب والسنة كلزوم الظلللشاخص …هذا هو تصوفنا تصوف الاتباع لا الابتداع.